فصل: تفسير الآية رقم (56):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآية رقم (56):

{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56)}
تقدم، فأعاد الامر بالعبادة تأكيدا.

.تفسير الآية رقم (57):

{لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57)}
قوله تعالى: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} هذا تسلية للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووعد بالنصرة. وقراءة العامة {تَحْسَبَنَّ} بالتاء خطابا. وقرأ ابن عامر وحمزة وأبو حيوة: {يحسبن} بالياء، بمعنى لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم معجزين الله في الأرض، لان الحسبان يتعدى إلى مفعولين. وهذا قول الزجاج.
وقال الفراء وأبو على: يجوز أن يكون الفعل للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أي لا يحسبن محمد الذين كفروا معجزين في الأرض. ف {- الَّذِينَ} مفعول أول، و{مُعْجِزِينَ} مفعول ثان. وعلى القول الأول {الَّذِينَ كَفَرُوا} فاعل {أنفسهم} مفعول أول، وهو محذوف مراد {مُعْجِزِينَ} مفعول ثان. قال النحاس: وما علمت أحدا من أهل العربية بصريا ولا كوفيا إلا وهو يخطئ قراءة حمزة، فمنهم من يقول: هي لحن، لأنه لم يأت إلا بمفعول واحد ليحسبن. وممن قال هذا أبو حاتم.
وقال الفراء: هو ضعيف، وأجازه على ضعفه، على أنه يحذف المفعول الأول، وقد بيناه. قال النحاس: وسمعت على ابن سليمان يقول في هذه القراءة: يكون {الَّذِينَ كَفَرُوا} في موضع نصب. قال: ويكون المعنى ولا يحسبن الكافر الذين كفروا معجزين في الأرض. قلت: وهذا موافق لما قاله الفراء وأبو على، إلا أن الفاعل هناك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وفي هذا القول الكافر. و{معجزين} معناه فائتين. وقد تقدم. {ومأواهم النار ولبئس المصير} أي المرجع.

.تفسير الآية رقم (58):

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58)}
فيه ثمان مسائل:
الأولى: قال العلماء، هذه الآية خاصة والتي قبلها عامة، لأنه قال: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها} [النور: 27] ثم خص هنا فقال: {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ} فخص في هذه الآية بعض المستأذنين، وكذلك أيضا يتأول القول في الأولى في جميع الأوقات عموما. وخص في هذه الآية بعض الأوقات، فلا يدخل فيها عبد ولا أمة، وغداد كان أو ذا منظر إلا بعد الاستئذان. قال مقاتل: نزلت في أسماء بنت مرثد، دخل عليها غلام لها كبير، فاشتكت إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنزلت عليه الآية.
وقيل: سبب نزولها دخول مدلج على عمر، وسيأتي.
الثانية: اختلف العلماء في المراد بقوله تعالى: {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ} على ستة أقوال الأول- أنها منسوخة، قاله ابن المسيب وابن جبير.
الثاني- أنها ندب غير واجبة، قاله أبو قلابة، قال: إنما أمروا بهذا نظرا لهم.
الثالث- عني بها النساء، قاله أبو عبد الرحمن السلمى.
وقال ابن عمر: هي في الرجال دون النساء. وهو القول الرابع.
الخامس- كان ذلك واجبا، إذ كانوا لا غلق لهم ولا أبواب، ولو عاد الحال لعاد الوجوب، حكاه المهدوي عن ابن عباس.
السادس: أنها محكمة واجبة ثابتة على الرجال والنساء، وهو قول أكثر أهل العلم، منهم القاسم وجابر بن زيد والشعبي. وأضعفها قول السلمى لان {الَّذِينَ} لا يكون للنساء في كلام العرب، إنما يكون للنساء اللاتي واللواتي. وقول ابن عمر يستحسنه أهل النظر، لان {الذين} للرجال في كلام العرب، وإن كان يجوز أن يدخل معهم النساء فإنما يقع ذلك بدليل، والكلام على ظاهره، غير أن في إسناده ليث بن أبى سليم. وأما قول ابن عباس فروى أبو داود عن عبيد الله بن أبى يزيد سمع ابن عباس يقول: آية لم يؤمر بها أكثر الناس آية الاستئذان وإني لأمر جاريتي هذه تستأذن على. قال أبو داود: وكذلك رواه عطاء عن ابن عباس {يأمر به}.
وروى عكرمة أن نفرا من أهل العراق قالوا: يا ابن عباس، كيف ترى في هذه الآية التي أمرنا فيها بما أمرنا ولا يعمل بها أحد، قول الله عز وجل: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ}. قال أبو داود: قرأ القعنبي إلى {عَلِيمٌ حَكِيمٌ} قال ابن عباس: إن الله حليم رحيم بالمؤمنين يحب الستر، وكان الناس ليس لبيوتهم ستور ولا حجال، فربما دخل الخادم أو الولد أو يتيمة الرجل والرجل على أهله، فأمرهم الله بالاستئذان في تلك العورات، فجاءهم الله بالستور والخير، فلم أر أحدا يعمل بذلك بعد. قلت: هذا متن حسن، وهو يرد قول سعيد وابن جبير، فإنه ليس فيه دليل على نسخ الآية، ولكن على أنها كانت على حال ثم زالت، فإن كان مثل ذلك الحال فحكمها قائم كما كان، بل حكمها لليوم ثابت في كثير من مساكن المسلمين في البوادي والصحارى ونحوها. وروى وكيع عن سفيان عن موسى بن أبى عائشة عن الشعبي {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ} قال: ليست بمنسوخة. قلت: إن الناس لا يعملون بها، قال: الله عز وجل المستعان.
الثالثة: قال بعض أهل العلم: إن الاستئذان ثلاثا مأخوذ من قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ} قال يزيد: ثلاث دفعات. قال: فورد القرآن في المماليك والصبيان، وسنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجميع. قال ابن عبد البر: ما قاله من هذا وإن كان له وجه فإنه غير معروف عن العلماء في تفسير الآية التي نزع بها، والذي عليه جمهورهم في قوله: {ثَلاثَ مَرَّاتٍ} أي في ثلاث أوقات. ويدل على صحة هذا القول ذكره فيها: {مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ}.
الرابعة: أدب الله عز وجل عباده في هذه الآية بأن يكون العبيد إذ لا بال لهم، والأطفال الذين لم يبلغوا الحلم إلا أنهم عقلوا معاني الكشفة ونحوها، يستأذنون على أهليهم في هذه الأوقات الثلاثة، وهى الأوقات التي تقتضي عادة الناس الانكشاف فيها وملازمة التعري. فما قبل الفجر وقت انتهاء النوم ووقت الخروج من ثياب النوم ولبس ثياب النهار. ووقت القائلة وقت التجرد أيضا وهى الظهيرة، لان النهار يظهر فيها إذا علا شعاعه واشتد حره. وبعد صلاة العشاء وقت التعري للنوم، فالتكشف غالب في هذه الأوقات. يروي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث غلاما من الأنصار يقال له مدلج إلى عمر بن الخطاب ظهيرة ليدعوه، فوجده نائما قد أغلق عليه الباب، فدق عليه الغلام الباب فناداه، ودخل، فاستيقظ عمر وجلس فانكشف منه شي، فقال عمر: وددت أن الله نهى أبناءنا ونساءنا وخدمنا عن الدخول علينا في هذه الساعات إلا بإذن، ثم انطلق إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوجد هذه الآية قد أنزلت، فخر ساجدا شكرا لله. وهى مكية.
الخامسة: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ} أي الذين لم يحتلموا من أحراركم، قاله مجاهد. وذكر إسماعيل بن إسحاق كان يقول: ليستأذنكم الذين لم يبلغوا الحلم مما ملكت أيمانكم، على التقديم والتأخير، وأن الآية في الإماء. وقرأ الجمهور بضم اللام، وسكنها الحسن بن أبى الحسن لثقل الضمة، وكان أبو عمرو يستحسنها. و{ثَلاثَ مَرَّاتٍ} نصب على الظرف، لأنهم لم يؤمروا بالاستئذان ثلاثا، إنما أمروا بالاستئذان في ثلاثة مواطن، والظرفية في {ثَلاثَ} بينة: من قبل صلاة الفجر، وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة، ومن صلاة العشاء. وقد مضى معناه. ولا يجب أن يستأذن ثلاث مرات في كل وقت. {ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ} قرأ جمهور السبعة {ثَلاثُ عَوْراتٍ} برفع {ثَلاثَ}. وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم {ثلاث} بالنصب على البدل من الظرف في قوله: {ثَلاثَ مَرَّاتٍ}. قال أبو حاتم: النصب ضعيف مردود.
وقال الفراء: الرفع أحب إلى. قال: وإنما اخترت الرفع لان المعنى: هذه الخصال ثلاث عورات. والرفع عند الكسائي بالابتداء، والخبر عنده ما بعده، ولم يقل بالعائد، وقال نصا بالابتداء. قال: والعورات الساعات التي تكون فيها العورة، إلا أنه قرأ بالنصب، والنصب فيه قولان: أحدهما- أنه مردود على قوله: {ثَلاثَ مَرَّاتٍ}، ولهذا استبعده الفراء.
وقال الزجاج: المعنى ليستأذنكم أوقات ثلاث عورات، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. و{عَوْراتٍ} جمع عورة، وبابه في الصحيح أن يجئ على فعلات بفتح العين كجفنة وجفنات، ونحو ذلك. وسكنوا العين في المعتل كبيضة وبيضات؟ لان فتحه داع إلى اعتلاله فلم يفتح لذلك، فأما قول الشاعر:
أبو بيضات رائح متأوب ** رفيق بمسح المنكبين سبوح

فشاذ.
السادسة: قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ} أي في الدخول من غير أن يستأذنوا وإن كنتم متبذلين. {طَوَّافُونَ} بمعنى هم طوافون. قال الفراء: كقولك في الكلام إنما هم خدمكم وطوافون عليكم. وأجاز الفراء نصب {طوافين} لأنه نكرة، والمضمر في {عَلَيْكُمْ} معرفة. ولا يجيز البصريون أن يكون حالا من المضمرين اللذين في {عَلَيْكُمْ} وفي {بَعْضُكُمْ} لاختلاف العاملين. ولا يجوز مررت يزيد ونزلت على عمرو العاقلين، على النعت لهما. فمعنى {طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ} أي يطوفون عليكم وتطوفون عليهم، ومنه الحديث في الهرة: «إنما هي من الطوافين عليكم أو الطوافات». فمنع في الثلاث العورات من دخولهم علينا، لان حقيقة العورة كل شيء لا مانع دونه، ومنه قوله: {إن بيوتنا عورة} [الأحزاب: 13] أي سهلة للمدخل، فبين العلة الموجبة للاذن، وهى الخلوة في حال العورة، فتعين امتثاله وتعذر نسخه. ثم رفع الجناح بقوله: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ} أي يطوف بعضكم على بعض. {كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ} الكاف في موضع نصب، أي يبين الله لكم آياته الدالة على متعبداته بيانا مثل ما يبين لكم هذه الأشياء. {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} تقدم السابعة: قوله تعالى: {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ} يريد العتمة.
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى يقول: «لا تغلبنكم الاعراب على اسم صلاتكم ألا إنها العشاء وهم يعتمون بالإبل».
وفي رواية: «فإنها في كتاب الله العشاء وإنها تعتم بحلاب الإبل».
وفي البخاري عن أبى برزة: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يؤخر العشاء.
وقال أنس: أخر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العشاء. وهذا يدل على العشاء الأولى.
وفي الصحيح: فصلاها، يعني العصر بين العشاءين المغرب والعشاء.
وفي الموطأ وغيره: ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا.
وفي مسلم عن جابر ابن سمرة قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى الصلوات نحوا من صلاتكم، وكان يؤخر العتمة بعد صلاتكم شيئا، وكان يخف الصلاة.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي: وهذه أخبار متعارضة، لا يعلم منها الأول من الأخر بالتاريخ، ونهيه عليه السلام عن تسمية المغرب عشاء وعن تسمية العشاء عتمة ثابت، فلا مرد له من أقوال الصحابة فضلا عمن عداهم. وقد كان ابن عمر يقول: من قال صلاة العتمة فقد أثم.
وقال ابن القاسم قال مالك: {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ} فالله سماها صلاة العشاء فأحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تسمى بما سماها الله تعالى به، ويعلمها الإنسان أهله وولده، ولا يقال عتمة إلا عند خطاب من لا يفهم. وقد قال حسان بن ثابت:
وكانت لا يزال بها أنيس ** خلال مروجها نعم وشاء

فدع هذا ولكن من لطيف ** يؤرقني إذا ذهب العشاء

وقد قيل: إن هذا النهى عن اتباع الاعراب في تسميتهم العشاء عتمة، إنما كان لئلا يعدل بها عما سماها الله تعالى في كتابه إذ قال: {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ}، فكأنه نهى، إرشاد إلى ما هو الأولى، وليس على جهة التحريم، وعلى أن تسميتها العتمة لا يجوز. ألا ترى أنه قد ثبت أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أطلق عليها ذلك، وقد أباح تسميتها بذلك أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
وقيل: إنما نهى عن ذلك تنزيها لهذه العبادة الشريفة الدينية عن أن يطلق عليها ما هو اسم لفعله دنيوية، وهى الحلبة التي كانوا يحتلبونها في ذلك الوقت ويسمونها العتمة، ويشهد لهذا قوله: «فإنها تعتم بحلاب الإبل».
الثامنة: روى ابن ماجه في سننه حدثنا عثمان بن أبى شيبة حدثنا إسماعيل بن عياش عن عمارة بن غزية عن أنس بن مالك عن عمر بن الخطاب عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يقول: «من صلى في جماعة أربعين ليلة لا تفوته الركعة الأولى من صلاة العشاء كتب الله بها عتقا من النار».
وفي صحيح مسلم عن عثمان بن عفان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله». وروي الدارقطني في سننه عن سبيع أو تبيع عن كعب قال: من توضأ فأحسن الوضوء وصلي العشاء الآخرة وصلي بعدها أربع ركعات فأتم ركوعهن وسجودهن ويعلم ما يقترئ فيهن كن له بمنزلة ليلة القدر.